فصل: مسألة كراء الأرض بمثل نظيرتها دون تحديد قدر الأجرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة كراء الأرض بمثل نظيرتها دون تحديد قدر الأجرة:

ومن سماع سحنون من عبد الرحمن بن القاسم، قال سحنون: سئل ابن القاسم: عن الرجل يكري الأرض يزرعها بمثل ما يزرع غيرها وهما لا يعرفان كم كراء تلك الأرض الأخرى، قال: لا خير فيه، وعلى الزارع مثل كراء تلك الأرض، قيل له: فإن أراد حارث الأرض أن يأخذ مثل طعامه أو دراهم أو عرضا أو دنانير من رب الأرض ويترك له الزرع، قال: لا خير فيه، وهو بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الكراء على هذا لا يجوز لنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عن بيع الغرر، وإنه لا يجوز للمكتري أن يأخذ من رب الأرض مثل طعامه الذي زرع، أو دراهم أو دنانير أو عرضا من العروض ويترك له الزرع لنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ عن بيع الحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه، فكيف يبيعه وهو زرع قبل أن يسنبل؛ لأن الزرع له، وعليه كراء المثل في الأرض، فلا يجوز له أن يبيعه من رب الأرض، كما لا يجوز له أن يبيعه من غير رب الأرض، وبالله التوفيق.

.مسألة انفضاض ماء البئر المكتراة أثناء الإجارة:

وسئل سحنون: عن الرجل يكتري العين أو البير فينقص ماؤهما، قال: إن كان ذلك يسيرا مثل ما يعرف من نقصان الماء مع قلة الأمطار وزيادته مع كثرة المطر فإن ذلك لازم لهما إلا أن يأتي من نقصان الماء ما يضر بالمكتري لقلته وعوزه فتنتقض به الإجارة، وكذلك نقصان اللبن من قلة الخصب مثل نقصان العين من قلة المطر أمرهما واحد، فخذ هذا على هذا الباب.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع الأول وهو مبين لما في المدونة؛ لأن النقصان المعروف قد دخل عليه المبتاع فلا رجوع له به، وإنما يرجع بالنقصان المتفاحش الخارج عما جرت به العادة، وقد مضى القول على هذا في سماع أشهب من الكتاب المذكور، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة إرادة المؤجر أخذ الأجرة المؤجلة قبل موعدها:

من سماع أصبغ من كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سألت ابن القاسم: عمن تكارى منزلا بأربعة دنانير سنة واشترط المكري نقد دينارين، وأخذ نصف الكراء، فأراد بعد شهر أن يأخذ ما حل له في ذلك أيضا.
قال: ذلك له ويفض الديناران على السنة كلها، فينظر ما يصيب كل شهر يفض ما قبضه، ويفض ما بقي على السنة كلها، فينظر ما يصيب كل شهر من ذلك، فيأخذه كلما حل له شهر، وذلك نصف كراء الشهر من جميع الكراء، فيكون ما قبض، ويعجل على ما سكن وما لم يسكن، وما تأخر بمنزلة ذلك، ومما يبين ذلك أرأيت لو قبض دينارين وسكن ستة أشهر ثم فلس المتكاري، أليس يرد دينارا ويكون الديناران اللذان قبض على السنة كلها ويأخذ الأشهر الباقية؛ لأنها سلعته بعينها، فكذلك هذا، وإنما هو شيء اشترط تعجيله فلا يكون فيما سكن وحده، وهو على السنة كلها، وسواء اشترط نقد دنانير سماها، فكانت نصف الكراء، أو اشترط نصف الكراء مسمى فهو سواء.
قال أصبغ: جيدة كلها وإنما يلغى ما قبض عندما يحل عليه شيء فيصير الباقي من الكراء الذي لم يقبضه كأنه كراء السنة كلها، يقسم ويفض عليها فيأخذ لكل شهر ما يصيبه منها بحسابه.
وقول ابن القاسم يرجع إلى هذا، وهذا يرجع إليه، وهو وجه واحد لا يزول.
وإن قسمت السنة على الدينارين اللذين قبض، والدينارين اللذين لم يقبض صار كراء كل شهر ثلث دينار فقد أخذ لكل شهر سدسا في الدينارين اللذين اشترط تعجيلهما ويبقى من كراء كل شهر سدس.
وإن قسمت السنة على الدينارين الباقيين فقط، وجعلاهما الكراء لأنهما بقية الكراء، فإنما يصير لكل شهر سدس يأخذه، فهذا هو، وهذا كله واحد، وإنما هو رجل اشترط من كراء كل شهر تعجيل سدس لجميع الأشهر مكانه، ويبقى من كراء كل شهر سدس إذا حل شهره.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قالا؛ لأنه إذا اشترط تعجيل بعض الكراء ولم يسمه لشهر أو لشهور بأعيانها من أول العام أو من آخره وجب أن يحمل على جميعها ويفض عليها كلها، ويأخذه عند انقضاء كل شهر ببقية واجبة، وبالله التوفيق.

.مسألة نبت الحب المخبوء في الأرض بعد انقضاء الإجارة:

ومن كتاب المجالس:
وسأله رجل من أهل الريف، فقال: إني كنت زرعت أرضا لي كمونا فلم ينبت، وأبطأ نباته عن إبانه حتى لم يشك الناس أنه قد هلك البذر الذي بذرت من بعض غمرات الماء، أو برد، أو غير ذلك، ويئست من نباته، وأكريت، أرضي تلك من رجل غرس فيها مقثاة فنبتت المقثاة والكمون معا نباتا واحدا، ما ترى في ذلك؟ قال أصبغ: أرى الكمون لك والمقثاة لغارسها، ويفض الكراء الذي اكتريت به الأرض على قدر انتفاعكما بها، أنت في كمونك، والمكتري في مقثاته، فما أصاب الكمون من ذلك سقط عن المكتري من الكراء.
قيل له: أرأيت إذا أضر الكمون بالمقثاة وغمها حتى نقصها في نباتها وحملها، فقال ربها: اقلع عني الكمون فإنه قد أضر بي، وأبطل مقثاتي، أذلك له؟ قال: ليس ذلك له، فإن كان ذلك كذلك ونقصت المقثاة من سبب الكمون وضع عنه من حصته من الكراء مقدار ما نقص من المقثاة من قليل أو كثير؛ لأن هذا من سبب الأرض، قال: وكذلك إن أبطلها كلها وأحرقها كان مصيبتها منه، ورجع بالكراء كله فأخذه، أو سقط عنه بمنزلة ما لو غرسها فلم تنبت أصلا فلا كراء لرب الأرض؛ لأن الهلاك جاء من سبب الأرض.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة جيدة حسنة صحيحة مبنية على أصولهم؛ لأن رب الأرض لما أكرى أرضه وهو يرى أن كمونه قد بطل وجب ألا يكون للمكتري أن يقلعه، إذ لم يغره، وإنما فعل ما يجوز له، كمن زرع في أرض اكتراها وهو يظن أنه يتم قبل انقضاء أمده، فانقضى الأمد قبل تمام الزرع.
لا يكون لرب الأرض أن يقلع زرعه، وإذا لم يكن له أن يقلعه وجب أن يحط عنه من الكراء بقدر ما أضر به الكمون في مقثاته، وإن أبطل الكمون المقثاة سقط عنه جميع الكراء؛ لأن بطلانها جاء من قبل الأرض بالكمون الذي عابها، ولم يكن من قبل رب الأرض، إذ لم يتعد فيما صنع، فأشبه نقصان الزرع في الأرض المكتراة، أو بطلانه من قبل القحط وقلة الماء.
ومن هذا المعنى مسألة وقعت في سماع عيسى من كتاب المزارعة في بعض الروايات؛ قال ابن القاسم: من أعطى رجلا أرضا له عارية فزرع فيها قطنا فأثمر في عامه، وجناه وبقيت أصوله فنما وأثمر في عام قابل فتنازعاه، فقال رب الأرض: إني لم أمنحك إلا العام الأول، وقال زارع القطن: هو لي ومن زريعتي.
قال: إن كان القطن في البلد يزرع كل عام كالزرع فحكمه حكم الزرع وهو لرب الأرض.
ثم قال بعد ذلك: إن القطن لمن غرسه. وعليه كراء ما شغل القطن من الأرض، إلا أن يكون الكراء أكثر من القطن، فلا يلزمه أكثر منه، وثبت على هذا، وقال: لأنه أصول، وقال بعد ذلك، في الزرع إذا لم ينبت في أول سنة ونبت في الثانية: إنه كالغاصب في حاله كله، إلا أن يكون الكراء أكثر من الزرع، فليس عليه أكثر من الزرع، قال: وإن كان القطن أصولا تنبت في الأرض السنين الكثيرة، كما ينبت في السواحل، فأراه لرب القطن، فإن أراد رب الأرض إخراجه ولم تقم له بينة أنه أعاره سنة واحدة، وحلف رب القطن على دعوى رب الأرض، فليعط رب الأرض لرب القطن قيمة الأصول، وذكر هذه المسألة من أولها ابن سحنون عن أبيه مثله.
قال أبو محمد في النوادر: أراه جعل اختلافهما في مدة العارية شبهة أوجب له بها قيمته أصولا لا مقلوعا بعد يمين المستعير، وكان الغرس كالحيازة بخلاف اختلافهما في مدة سكنى الدار، وبالله التوفيق.

.مسألة طلب صاحب الأرض من الزارع المتعدي قلع الزرع:

نوازل أصبغ بن الفرج وسئل أصبغ: عن رجل تعدى على أرض رجل فزرعها فجاء رب الأرض وقد فات أوان الحرث، وقد اشتد الزرع وكبر، فقال للزارع: اقلع زرعك فإني أحتاج إلى أرضي أغرسها مقثاة أو أزرعها بقلا فأنتفع بها، والأرض أرض سقي وهو يمكنه الانتفاع بها. فهل ترى ذلك له؟
فقال: لا أرى ذلك له، وليس فيها إلا الكراء؛ لأنه قد فات إبان الزرع وهو إن قلع زرعه لم يستطع أن يزرع فيها زرعا آخر، لفوات إبان الزرع، فليس له أن يقلع زرعه وأرى هذا من الضرر بعد أن خرج من إبان الزرع، قلت: أرضه هذه ليست من أرض المطر، إنما هي من أرض السقي وهو يسقيها متى ما أحب، وقد بقيت له فيما بقي من السنة منفعة عظيمة من مقثاة يضعها أو بقل يزرعه، أو ما أشبه ذلك، ومع ذلك أيضا أنه يريد قلبها ليزرعها من قابل فهو إن ترك زرع هذا فيها لم يقدر على أن يزرعها من قابل؛ لأن الأرض إذا لم تقلب عندنا لم يتنعم زرعها ولم يجد ولم يخاطر الزارع فيها إلا بزريعة علوفة البقر والدواب وعليه في ذلك أعظم المضرة.
قال: إذا ذهب إبان يزرع فيها مثل الزرع الذي هو فيها اليوم فليس له أن يقلعه ليزرع فيها بقلا ولا مقثاة، وليس له إلا الكراء.
قال: وأما ما ذكرت من القليب الذي يفوته فيها فإن الذي يفوته من ذلك يستوفيه في كرائها؛ لأن كراءها إنما يحسب على قدر ما حبسها عنه وما منعه من منفعتها، وعلى قدرها وكرمها فهو يستوفي جميع ذلك في الكراء.
قال محمد بن رشد: قوله إنه ليس له أن يقلع زرع الغاصب من أرضه بعد خروج إبان الزرع وإن كانت له في أرضه منفعة بقلعه من مقثاة يضعها أو بقل يزرعه هو ظاهر ما في المدونة وغيرها من أن زرع الغاصب لا يقلع بعد خروج إبان الحرث، والقياس أن يكون ذلك له إذا كان الأرض مما تصلح للمقاثي والبقل، وتبين أن رب الأرض لم يقصد إلى الإضرار بالغاصب بقلع زرعه، وأنه إنما رغب في الانتفاع بأرضه للمقثاة أو البقل، إذ قد تكون المنفعة بذلك أكثر من المنفعة بالزرع، وقد يدل على ذلك قول ابن الماجشون في المجموعة عن مالك، وقول المغيرة: إذا سنبل الزرع فلا يقلع؛ لأن قلعه من الفساد العام للناس، ويمنع من ذلك، كما يمنع من ذبح الفتايا مما فيه الحمولة من الإبل، والحرث من البقر، وذوات الدر من الغنم؛ لأن الزرع إذا كان يقلع عندهما ما لم يسنبل، ولا شك في أن إبان حرث الزرع ينقضي قبل أن يسنبل الزرع بكثير، فقد أوجبا قلع الزرع بعد خروج الإبان، وذلك لا يكون إلا لمنفعة تكون لصاحب الأرض في أرضه بقية العام من مقثاة يضعها فيها أو بقل أو ما أشبه ذلك، والله أعلم.
وقد روى ابن وهب، عن مالك: أن له أن يقلع الزرع سواء قدر أن يزرع أم لا، قال: والأول أحب إلينا، وظاهر قوله أن له أن يقلع الزرع وإن لم يقدر أن يزرع في الأرض شيئا أصلا، ومعنى ذلك عندي إذا كان ينتفع بذلك لحمام أرضه، أو لوجه من وجوه المنافع غير الزرع؛ لأنه إذا لم يكن له في ذلك منفعة بحال فهو بقلعه قاصد إلى الإضرار، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر ولا ضرار»، وإذا لم يكن للغاصب في زرعه إذا قلعه منفعة فليس له أن يقلعه ويكون لصاحب الأرض؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ليس لعرق ظالم فيه حق» وإذا كانت له في قلعه منفعة إن قلعه فيلزمه أن يقلعه، وليس له أن يتركه لرب الأرض إلا برضاه، إذ من حقه ألا يقبل معروفه.
واختلف إن أراد رب الأرض أن يعطيه قيمته مقلوعا ويأخذه، فقيل: إن ذلك غير جائز؛ لأنه بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه، وهو دليل ما في سماع سحنون من كتاب المزارعة، وقيل: إن ذلك له، وهو جائز؛ لأنه في أرضه ويدخل بالعقد في ضمانه وهو ظاهر ما في كتاب كراء الأرضين من المدونة، ولو رضي المستحق أن يترك الزرع للغاصب بكراء يواجبه عليه الغاصب لم يحل، قاله ابن المواز، إذا كان الزرع صغيرا جدا لا منفعة فيه للغاصب إن قلعه؛ لأنه قد وجب لرب الأرض فيدخله بيع زرع لم يحل مع كراء.
قال ابن أبي زيد: ولو كان الزرع ينتفع به الغاصب لو قلعه لجاز ذلك؛ لأن الزرع قد وجب للغاصب، فجاز أن يكتري الأرض من ربها على أن يقر زرعه فيه ولا يقلعه، وبالله التوفيق.

.مسألة استثناء الشجر من الأرض المؤجرة:

وسئل أصبغ عن الرجل يكتري الدار أو الأرض وفيها شجر هي تبع لكراء الدار وكراء الأرض فأراد أن يستثني الشجر مع الأرض ولم تطب، قال: إن كانت الشجر تطيب قبل أن ينقضي كراء الدار أو الأرض فلا بأس أن يستثنيها وإن كانت الثمرة لا تطيب إلا بعد أن يمضي أمد الكراء الذي أكرى فلا يجوز استثناؤه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في الواضحة، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه إنما أجيز للمكتري أن يستثني ثمر الشجر قبل طيبها للضرورة التي تدخل عليه في دخول البائع عليه لاجتناء الثمرة، فإذا كانت لا تطيب إلا بعد انقضاء أمد الكراء ارتفعت علة الجواز فوجب المنع، قال ابن حبيب في الواضحة، وإن اكتراها لأعوام، واستثنى ثمرتها فانقضت السنون، وفيها ثمرة قد طابت أو لم تطب، فهي للمكتري بشرطه، ولا أعرف ما يخالف قوله، ووجهه أن الكراء قد صح على الشرط من أجل ما يطيب من الثمرة في مدة الكراء، فوجب أن يكون له ما يطيب بعد انقضائه، وبالله التوفيق.

.مسألة كراء مبذر أردب من الأرض:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: وقال ابن القاسم في رجل تكارى من رجل مبذر إردب من أرضه، قال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن مساحة مبذر الإردب من الأرض غير معلومة، ولذلك قال في الكراء: إنه لا خير فيه، يبين هذا رواية عيسى عن ابن القاسم في المدنية والمبسوطة فيمن اشترى من أرض الرجل مبذر أمداد مسماة أنه إن كان بذر الأمداد معروفا عند الناس ليس فيه زيادة ولا نقصان وكانت الأرض في الكرم واحدا ليس بينها تفاضل فلا بأس به، يريد: إذا وقع الشراء على أن يأخذ من حيث أحب ولو كانت مساحة مبذر الإردب معلومة عندهم لجاز الكراء وإن اختلفت الأرض إذا وقف المكتري على الأرض وأحاط علما بطيبها من دنيئها إذا وقع مسكوتا عليه ولم يشترط أن يأخذ من حيث أحب، وأما إن وقع على أن يأخذ من حيث أحب، فيجوز عند ابن القاسم على قوله في المدونة: إن كانت الأرض مستوية ولا يجوز عند غيره فيها، وإن كانت مستوية؛ لأن معنى ما تكلمنا عليه فيها إذا وقع الكراء، على أن يأخذ المكتري حيث أحب، فاختلفا على اختلافهم في الرجل يشتري عشرة ثياب يختارها من مائة، فابن القاسم لا يجيز ذلك إذا كانت الثياب أصنافا مختلفة، ويجيزه إذا كانت صنفا واحدا وإن كان بعضها أفضل من بعض، وغيره لا يجيز ذلك، وإن كانت صنفا واحدا إلا أن تكون مستوية؛ لأن الأرض وإن استوت في الكرم فقد تختلف أغراضها في النواحي، وبالله التوفيق.

.مسألة ثمرة النخل في الدار المؤجرة إذا انقطعت الإجارة:

قال ابن القاسم في رجل اكترى دارا وفيها نخل هي الثلث فاشترط ثمرتها فسكن نصف سنة ثم انهدمت الدار، قال: إن كانت الثمرة قد طابت قومت الدار بالثمرة، وقومت بغير ثمرة، فإن وجدت الثمرة الثلث أخذ الساكن الثمرة وغرم ثلثي الكراء، وإن كانت لم تطب الثمرة أسلمها إلى رب الدار وأدى إليه ثلث الكراء على هذا يحسب.
قال محمد بن رشد: هذه الرواية تبين ما مضى في رسم حمل صبيا من سماع عيسى، وقد مضى القول عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة اختلاف المتكاريين في قدر الأجرة أثناء الإجارة:

وقال فيمن تكارى منزلا بعشرة دنانير، فسكن ثلاثة أشهر، ثم قال الساكن: إنما أكريت منك السنة بخمسة، وقد نقد الخمسة، قال: يتحالفان ويتفاسخان على كراء عشرة في السنة ولا يستتم السكنى ستة أشهر، وهذا مخالف لكراء الحمولة، وكذلك الذي يسلف دينارين في مائتي سلٍّ فيأخذ بعضها، ثم يقول البائع إنما بعتك مائة بدينارين وقد قبض دينارا وأخذ أربعين سلًّا: إنهما يتحالفان ويتفاسخان، ويرد عليه من الدينار بقدر ما أخذ من حساب مائة بدينارين، والسلفة تشبه كراء الدور.
قال محمد بن رشد: في بعض الكتب والسلفة تشبه كراء الدور وهو أحسن، ويريد أنه يشبهها في أن البيع ينتقض في السلعة إذا تخالفا فيما زاد على الأربعين سلا التي قبض، كما ينتقض في كراء الدار إذا تخالفا فيما زاد على الستة الأشهر التي سكن، بخلاف كراء الحمولة، للضرر الداخل على المكتري في انتقاض الكراء في بعض الطريق.
ولو كان اختلافهما في بلدة لا يعدم فيه الكراء لانتقض إذا تخالفا فيما بقي من الطريق كالسلعة وككراء الدار.
وقوله: إنهما يتحالفان ويتفاسخان على كراء عشرة في السنة- لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب على أصولهم أن يتحالفا ويتفاسخا على كراء خمسة في السنة، كما ادعى الساكن إذا أشبه ما قال، أشبه ما قال رب الدار أو لم يشبه، فتقسم الخمسة على ما سكن وما لم يسكن، فيرد حصة ما بقي، فلا يلزم الساكن في الستة الأشهر التي سكن إلا ديناران ونصف؛ لأنه مدعى عليه في الزائد، وإنما يتحالفان ويتفاسخان على كراء عشرة في السنة كما ادعى رب المنزل إذا أشبه ما قال، ولم يشبه ما قال الساكن، فتقسم العشرة على ما سكن وما لم يسكن، فلا يرد الدار شيئا من الخمسة التي قبض؛ لأنها واجبة له في الستة الأشهر التي سكن على حساب عشرة في السنة، ولو لم يشبه قول واحد منهما لكان لرب الدار بعد أيمانهما كراء المثل في الستة الأشهر التي سكن، ويرد الزائد على ذلك من الخمسة التي قبض.
وكذلك قوله في مسألة السلفة: إنه يرد عليه من الدينار بقدر ما أخذ من حساب مائة بدينارين لفظ وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب أن يرد من الدينار ما زاد على ما يجب للأربعين التي قبضها المشتري على حساب مائتي سل بدينارين إذا أشبه ما قال، أشبه ما قال البائع أو لم يشبه، فيقسم الدينار على المائتي سل، فلا يلزم المبتاع في الأربعين التي قبض إلا خمسا دينار.
وإنما يرد من الدينار على حساب مائة سل بدينارين، كما ادعى البائع إذا أشبه ما قال، ولم يشبه ما قال المبتاع، فيلزم المبتاع على هذا في الأربعين التي قبض أربعة أخماس دينار، وبالله التوفيق.

.مسألة أخذ الأجرة ذهبا مكان الطعام:

وسئل: عن رجل حمل على نوتي طعاما ودفع إليه الكراء فنقص الطعام فأراد أن يأخذ من النوتي ذهبا. قال: لا خير فيه؛ لأنه يصير ذهبا وطعاما بذهب، إلا أن لا يكون دفع إليه من الكراء شيئا، فلا يكون به بأس، ولكن ليأخذ منه إذا ذهب من قمحه شيء وقد دفع إليه الكراء قمحا أو شعيرا إن كان شعيرا.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال على أصله في الحكم بالمنع من الذرائع لأنهما يتهمان على أنهما عملا على أن يكون ما دفع إليه من الكراء بعضه ثمنا لحمل الطعام، وبعضه سلفا يرده إليه فيدخله البيع والسلف، ولا حرج على فاعل ذلك فيما بينه وبين الله إذا لم يقصد إلى ذلك، ولا عقدا أمرهما عليه، ولو أخذ منه في النقصان عرضا معجلا أو صنفا آخر من الطعام لجاز. وبالله التوفيق.

.مسألة تلف البعير المؤجر بسبب تجاوز المكتري في الحمل:

وقال في رجل اكترى بعيرا يحمل عليه ثلاثمائة رطل إلى بلد، فحمل عليه أربعمائة رطل، فقدم البلد وقد عجف البعير فنحره صاحبه، ثم علم بالزيادة التي حملت عليه، قال: فصاحب البعير مخير بين أن يكون له كراء ما زاد، أو يكون له ما بين القيمتين، يريد: فيما رأيت ما بين قيمته يوم تعدى، أو ما بين قيمته يوم قدم به.
قال محمد بن رشد: قوله ما بين قيمته يوم تعدى، قال بعض الشيوخ: معناه في الموضع الذي تعدى فيه، وذلك غير صحيح، إذ لا تصح أن تكون القيمة في ذلك يوم تعدى، ولا في الموضع الذي تعدى فيه، إذ قد تكون قيمته يوم تعدى وفي الموضع الذي تعدى فيه غير عجف مثل قيمته يوم قدم أعجف أو أكثر من ذلك، فيذهب عداؤه باطلا لا يجب عليه فيه شيء، وإنما الواجب أن يكون عليه ما بين قيمته يوم قدم على الحال التي كان عليها يوم تعدى عليه وبوم قدم به، فيقوم على الحالتين جميعا يوم قدم به فيغرم ما بين القيمتين، وبالله التوفيق.

.مسألة سكنى المكتري في الدار بعد انقضاء المدة بلا إجارة:

وقال في رجل اكترى بدينار منزلا في السنة فانقضت السنة ثم سكن فيها عشر سنين أخر من غير أن يكون أكراه ولا تكارى منه إلا السنة الأولى، قال: كراء السنة دينار على ما أكرى منه ويلزمه قيمة كراء التسع سنين، ولا يحسب كراء التسع سنين على السنة الأولى.
قال: والساكن مصدق إذا قال قد دفعت إليك الكراء إذا كانت السنة قد انقضت.
وقال ابن القاسم: كتابة كراء السنة الثانية براءة للساكن، إذا قال: قد دفعت إليك كراء السنة الأولى.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم يوصي لمكاتبه، ورسم إن خرجت من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل دفع لرجل دابة له يعمل عليها يوما لصاحب الدابة ويوما للعامل:

وسئل ابن القاسم: عن رجل دفع إلى رجل دابة له، يعمل عليها يوما لصاحب الدابة، ويوما للعامل.
قال: لا بأس به، قيل: أرأيت لو أن العامل أخذ الدابة فعمل عليها أول يوم لنفسه فنفقت الدابة من الغد قبل أن يعمل عليها اليوم الذي لصاحب الدابة؟ قال: أرى على العامل لصاحب الدابة كراء دابته ذلك اليوم، قال: وإن كان أول يوم عمل عليها لصاحب الدابة فنفقت الدابة قبل أن يعمل عليها اليوم الذي له؟ قال: أرى على صاحب الدابة أن يدفع إلى العامل أجرته فيما عمل ذلك اليوم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة أجازها ابن القاسم، وفي إجازته إياها نظر من وجهين: أحدهما: أنه لم يبينا في عقدهما إن كان يبدأ العامل بيومه أو بيوم صاحب الدابة، والأعراض في ذلك تختلف، فكان ينبغي إذا عري الأمر في ذلك من بيان أو نية أن يتبع ظاهر اللفظ في أن يقدم من بدأ بتقديمه فيه، وإن كانت الواو لا توجب رتبة، إذ قد قيل: إنها توجب الرتبة، وإن اختلفا في ذلك بتصريح يدعيه كل واحد منهما، أو نية تحالفا على دعواهما، أو على نياتهما.
فإن حلفا أو نكلا انفسخ الأمر بينهما، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما.
والظاهر من قوله أنه حمل أمرهما على أنهما قصدا في تعاملهما أن يكون الخيار للعامل في أن يقدم يوم من شاء منهما، فهو الذي يدل عليه قوله إن عمل عليها أول يوم لنفسه، فالحكم في ذلك كذا، وإن عمل عليها أول يوم لرب الدابة فالحكم في ذلك كذا.
والوجه الثاني: أن المعنى في تعاملهما أن صاحب الدابة أكرى من العامل دابته يوما يعمل فيه عليها لنفسه على أن يعمل له عليها يوما آخر، فكأنه قال له: انتفع بدابتي اليوم وانتفع بعملك غدا عليها، فكان القياس إما ألا يجوز ذلك إلا بشرط الحلف، وإما أن يكون الحكم يوجب الحلف وإن لم يشترطه، فقوله إنه إن عمل عليها أول يوم لنفسه فنفقت الدابة من الغد قبل أن يعمل عليها اليوم الذي لصاحب الدابة أن على العامل لصاحب الدابة كراء ذلك اليوم، ليس بصحيح على أصولهم، إذ لا اختلاف بينهم في أن من استأجر أجيرا ليعمل له على دابة بعينها أو ليرعى له غنما بأعيانها لا تنتقض الإجارة بموت الدابة أو الغنم، فالصحيح الذي يأتي على أصولهم أن الدابة إذا نفقت قبل أن يعمل عليها اليوم الذي لصاحب الدابة أن على صاحب الدابة أن يأتيه بدابة يعمل عليها اليوم الذي له.
وقد ذكر ذلك ابن أبي زيد في النوادر عن... وكذلك لو نفقت قبل أن يعمل عليها يأتيه بدابة يعمل عليها لنفسه ولرب الدابة.
وأما قوله: إنها إن نفقت قبل أن يعمل عليها اليوم الذي له، فعلى صاحب الدابة أن يدفع إلى العامل أجرته فيما عمل ذلك اليوم فهو صحيح؛ لأن من اكترى دابة بعينها فنفقت قبل أن يركبها انتقض الكراء ورجع به إن كان قد دفعه أو في قيمته إن كان عرضا مستهلكا، كإجارته فيما عمل ذلك اليوم، وكذلك الحكم في هذا لو قال له: اعمل عليها يومين لك ويومين لي أو ثلاثة أيام لي، وثلاثة أيام لك، أو ما أشبه ذلك من الأمد القريب، ولو قال له: اعمل عليها شهرا لنفسك وشهرا لي لوجب أن يجوز ذلك إن بدأ بالشهر الذي لنفسه وأن لا يجوز إن بدأ بالشهر الذي لصاحب الدابة؛ لأنه بمنزلة من اكترى دابة بكراء نقده على أن يركبها بعد شهر، وذلك ما لا يجوز عند جميعهم.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن هذه المسألة معارضة لما في المدونة من أنه لا يجوز أن يقول الرجل للرجل: اعمل على هذه الدابة ولك نصف ما تكسب عليها إذ لم يقل فيها إنها إجارة وكراء، كأنه أكرى منه نصفها بنصف عمله على نصفها فيكون الكسب بينهما كأنهما فيه شريكان، وليس ذلك بصحيح، والمسألتان مفترقتان؛ لأنه فصل في هذه المسألة ما يعمل على الدابة لنفسه مما يعمل عليها لرب الدابة، فوجب أن يجعل كراء الدابة في يوم العامل ثمنا لأجرته في يوم رب الدابة، ولم يفصل بين ذلك في مسألة المدونة فوجب ألا يجوز؛ لأنه إما أن يكون صاحب الدابة أكرى دابته بنصف ما يكسب العامل عليها، وإما أن يكون استأجر العامل ليعمل عليها بنصف ما يكسب في عمله، وذلك غرر بين في الوجهين، والله الموفق.